ما المقصود بالمعروض النقدي؟ وكيف يؤثر في الاقتصاد وأداء الأصول؟
أضيف بواسـطة

وكالة ألأنباء العراقية المستقلة ــــ مــتــــابـــعـــة ــــ اقتصاد

يُرجع محللون الانتعاش الأخير في الأسهم والأصول الخطرة على الصعيد العالمي منذ بداية هذا العام، جزئيًا إلى زيادة المعروض النقدي، والذي يعكس الكمية الإجمالية للأصول النقدية المتاحة في الاقتصاد خلال فترة محددة، لكن لِمَ يرى المستثمرون ارتفاع حجم الأموال المتداولة في الاقتصاد كإشارة إيجابية تشجعهم على المخاطرة؟

في البداية يجب التأكيد أولًا على أن أسباب انتعاش الأسواق أوائل عام 2019، لم تكن مدفوعة بنمو المعروض النقدي فحسب ولكنها جاءت مدعومة بعوامل عدة، على رأسها هدوء التوترات التجارية بين واشنطن وبكين بعد دخولهما في هدنة للتفاوض حول اتفاق يرضي الجانبين، إضافة إلى تحلي الاحتياطي الفيدرالي بسياسة الصبر قبل زيادة الفائدة مجددًا.

بالعودة إلى المعروض النقدي، والذي يعرف أيضًا بالمخزون النقدي، فإنه لا يوجد تعريف محدد له لأن طريقة احتسابه تختلف من بلد لآخر، لكن المفهوم الشائع، أنه إجمالي الأموال المتداولة عبر الاقتصاد ويشمل ذلك النقد المادي المتداول (الورقي والمعدني) والأرصدة البنكية مثل الحسابات الجارية وحسابات التوفير والأشكال الأخرى من أشكال السيولة النقدية.

كيفية احتسابه

يعكف الاقتصاديون على تحليل معروض النقود لمساعدة صانعي القرار في تطوير السياسات التي تدور حوله، من خلال التحكم في أسعار الفائدة وزيادة أو خفض كمية الأموال المتدفقة عبر الاقتصاد، وهذا التحليل له أهمية كبرى كونه ينعكس في نهاية المطاف على دورة الاقتصاد، بحسب صحيفة "إيكونوميك تايمز".

بشكل دوري، تنشر البنوك المركزية حول العالم بياناتها للعرض النقدي في اقتصاديات بلادها استنادًا إلى المؤشرات التي تستخدمها على غرار "إم 0" و"إم 1" و"إم 2" و"إم 3"، والتي تحسب كل منها الأموال المتاحة في الاقتصاد بطريقة مختلفة.

يطلق على مؤشر "إم 0" و"إم 1" على سبيل المثال، اسم الأموال محدودة النطاق، ويقصد بها العملات المعدنية والورقية وغيرها من البدائل النقدية التي يمكن تحويلها إلى نقد بسهولة، أما مؤشر "إم 2" فيشمل مكونات "إم 1" بالإضافة إلى الودائع قصيرة الأجل في البنوك وبعض صناديق أسواق المال.

فيما يشمل مؤشر "إم 3" مكونات "إم 2" بالإضافة إلى الودائع طويلة الأجل، وهناك مؤشر "إم زد إم" أو الأموال بدون تاريخ استحقاق، ويشمل الأصول المالية التي يمكن استردادها على الفور، وتاريخيًا يعد أحد المؤشرات الرئيسية للتنبؤ بالتضخم، خاصة في الولايات المتحدة، بحسب "إنفستوبيديا".

لعل هذا الاختلاف في طريقة احتساب المؤشرات يفسر سبب التباين الكبير لبيانات المعروض النقدي، فعلى سبيل المثال، وفقًا لمؤشر "إم 1" بلغت الأموال المتداولة في الولايات المتحدة 3.7 تريليون دولار في أبريل 2018، لكن وفقًا  لمؤشر "إم 2" بلغت 13.9 تريليون دولار.

من الضروري هنا التأكيد على أن بيانات المعروض النقدي لا تشمل بعض أشكال الثروة، مثل الاستثمارات أو حقوق الملكية أو الأصول المادية التي يجب بيعها لتحويلها إلى أموال نقدية، ولا يشمل أشكالًا عديدة من الائتمان مثل القروض و ألرهون العقارية وبطاقات الائتمان، فهذه الأموال تستخدم في تحسين مستوى المعيشة لكنها ليست جزءًا من عرض النقود.

تأثيره في الاقتصاد والأصول

أحيانًا تنتهج البنوك المركزية سياسات نقدية توسعية تهدف إلى تعزيز العرض النقدي، وذلك عبر مشتريات السوق المفتوح للسندات الحكومية، وخفض متطلبات الاحتياطي لدى البنوك، وتقليص معدل الخصم، وفي معظم الاقتصاد النامي عمومًا يتم زيادة المعروض النقدي بانتظام لمواكبة التوسع في الناتج المحلي الإجمالي.

إن المعروض النقدي له تأثير مباشر على التضخم والدورة الاقتصادية ومستويات الأسعار، وهناك علاقة قوية تجمع نمو المعروض النقدي وتضخم الأسعار طويل الأجل، فعادة ما ترتفع الفائدة مع زيادة الأموال المتداولة وهذا يحفز الإنفاق، وبزيادة الطلب على المنتجات تعزز الشركات الإنتاج والتوظيف، ويحدث العكس إذا انخفض المعروض.

تاريخيًا أثبتت مؤشرات المعروض النقدي وجود علاقة بين بعض المتغيرات الاقتصادية والتضخم، ما جعلها عاملاً مساعداً في معرفة مستقبل مستويات الأسعار، لكن منذ بداية الألفية الجديدة أصبحت هذه العلاقة غير مستقرة، ما قلل من موثوقيتها كدليل للسياسة النقدية، ومع ذلك تتمسك بها البنوك المركزية رغم اهتمامها الأكبر بمؤشرات أخرى.

في أبريل 2008، بلغ مؤشر "إم 1" في الولايات المتحدة 1.4 تريليون دولار، و"إم 2" 7.7 تريليون دولار، وحينها اضطر الفيدرالي إلى مضاعفة المعروض النقدي لإنهاء الأزمة المالية، كما أضاف برنامج التيسير الكمي 4 تريليونات دولار للبنوك من أجل إبقاء الفائدة منخفضة.

شعر الكثيرون آنذاك بالخوف إزاء ارتفاع محتمل بمعدل التضخم بعد ضخ البنك المركزي الأمريكي لهذا الكم الهائل من الأموال والائتمان، لكن ذلك لم يحدث، وسجلت البلاد معدل تضخم يبلغ 0.1% بنهاية العام، بحسب موقع "ذا بالإنس"، لذا فإن التضخم لم يعد نتيجة مؤكدة لزيادة المعروض النقدي.

يميل الناتج المحلي الإجمالي الاسمي إلى الارتفاع مع نمو المعروض النقدي، إذ تؤدي زيادة الأموال المتداولة كما ذكرنا سابقًا إلى خفض أسعار الفائدة وزيادة الاستهلاك والإقراض، وعلى المدى القصير، يتبع ذلك في كثير من الأحيان زيادة في الإنتاج والإنفاق وبالتالي ينمو اقتصاد البلاد.

لكن من الصعب التنبؤ بالتأثيرات طويلة المدى الناتجة عن زيادة المعروض النقدي، بيد أن التاريخ يشير إلى انعكاس إيجابي قوي على أداء الأصول مثل العقارات والأسهم وغيرها.

إذا تم توظيف هذه الأموال بشكل جيد، فإن التأثير الوحيد لها على المدى الطويل هو ارتفاع أسعار الأصول التي يتوجه إليها المستهلكون عادة، لكن سوء التوظيف قد يؤدي إلى هدر الاستثمارات وعمليات مضاربة واسعة تنتهي في كثير من الأحيان بانفجار الفقاعات وركود الاقتصاد.

للنمو الاقتصادي أيضًا تأثير في المعروض النقدي، فمع زيادة الإنتاجية ترتفع قيمة الأموال المتداولة، إذ يمكن لكل وحدة من العملة شراء قدر أكبر من السلع أو الخدمات، وبالتالي فإن النمو ينتج عنه انكماش في الأسعار حتى لو لم يتقلص المعروض النقدي. انتهى

 

 

تحرير ـــ محمد إبراهيم السوداني

رابط المحتـوى
عدد المشـاهدات 4975   تاريخ الإضافـة 23/02/2019 - 13:41   آخـر تحديـث 28/03/2024 - 21:58   رقم المحتـوى 63453
جميـع الحقوق محفوظـة
© www.Ina-Iraq.net 2015