28/03/2024
الأخبار السياسية | الأخبار الأمنية | أخبار المحافظات | الأخبار العربية | الأخبار العالمية | أقوال الصحف العراقية | المقالات | تحليلات سياسية | تحقيقات | استطلاعات
عالم الرياضة | حوار خاص | الأخبار الثقافية والفنية | التقارير | معالم سياحية | المواطن والمسؤول | عالم المرأة | تراث وذاكرة | دراسات | الأخبار الاقتصادية
واحة الشعر | علوم و تكنولوجيا | كاريكاتير
عمالة الاطفال بين الرفض والقبول.. يعملون في النهار ويتعلمون في المساء
عمالة الاطفال بين الرفض والقبول.. يعملون في النهار ويتعلمون في المساء
أضيف بواسـطة
أضف تقييـم

وكالة الانباء العراقية المستقلة / سلوى داوود

 

اقتربت الساعة من العاشرة ليلا والطقس يتحرك نحو البرودة ولكن هذا لم يثنِ عزم صبي صغير يدعى "باقر" وهو يتابع عمله بنشاط في بيع الوقود، فهو احد الصبية الذين ولدوا ليجدوا أنفسهم مطالبين بالعمل لإعالة عوائلهم، برغم انه لم يتعدى السابعة من العمر إلا أن من يراه ويسمع منطقه في الكلام يعتقد لأول وهلة انه يتحدث الى شاب في العشرين من عمره.

 

يقول "باقر" عمري سبع سنوات ونجحت الى الصف الثاني الابتدائي، أعمل صباحا والتحق بالمدرسة ظهرا لأعود الى العمل مساءا واخصص وقت عودتي من المدرسة لمراجعة واجباتي المدرسية لمدة ساعة لأنطلق من جديد الى مضمار العمل الذي يمتد احيانا في فصل الصيف الى ما بعد منتصف الليل.

وباقر هو احد أولئك الصبية الذين ينتشرون في تقاطعات الطرق وزواياها، بعضهم يبيع الوقود بينما امتهن البعض الاخر بيع المناديل الورقية والحلوى وقطع القماش لمسح زجاج السيارات، بينما كان البخور والحرمل من اختصاص الفتيات، ويواجه هؤلاء ممن يسمونهم اطفال "الشوارع" أنواعا مختلفة من المشاكل مما جعل بعضهم يستسلم لجبروت الشارع بينما اصر البعض الآخر على التعلم رغم كل شيء.

في احد التقاطعات كان يقف "محمد" ابن العاشرة وهو يحمل قطعة قماش ويتوسل لأحد اصحاب السيارات ان يشتريها منه، فنهره الرجل بشدة ولم يثنِ ذلك من عزم "محمد" الذي راح يبحث عن اخرين يقنعهم بشراء بضاعته البسيطة، وبعد ان باع قطعتين كان الفرح يبدو عليه ظاهرا فعرضنا عليه شراء احدى القطع مقابل الحديث عن عمله وحياته.

 

وجدت نفسي في الشارع

فقال لا أعلم متى بدأت العمل، فقد وجدت نفسي في الشارع احمل قطعا من القماش تارة واتسول تارة اخرى وابيع المناديل الورقية مرة ثالثة، وكل هذا كي احصل على بعض المال الذي قد يفي لسد رمق اخوتي ووالدتي الارملة وانا الولد الثالث بين ستة اخوة اثنان منهم اكبر مني يعملان ايضا.

اما عن الدراسة فتحدث "محمد" قائلا: دراستي لم اتخلَ عنها كوني اطمح الى اكمالها بشتى الطرق، كي اخرج من الواقع المرير الذي اعيشه، فانا مقتنع تماما بان الدراسة هي التي ستجلب لي فرصة العمل الجيدة، لهذا فأنا حريص على الاستمرار بها بل احمد الله على اني من المتميزين في المدرسة ودرجاتي جيدة.

اعجبني كثيرا اصرار هذا الطفل.. وتمنيت لو ان هناك من الشباب المدللين من يمتلك نفس اصراره ، فهل يا ترى تبقى الحاجة والعوز هي الحافز نحو النجاح؟، ولماذا ولد اغلب العظماء وهم فقراء ولم نسمع عن غنياً صار عظيما الا فيما ندر؟، هل لأن الغني يولد وفي فاه ملعقة من الذهب؟، ام لأنه لم يجرب لسعة سياط الفقر على ظهره الرقيق؟.

فتاة اخرى التحفت بملابس بسيطة رثة ولبست فوق رأسها الصغير حجابا لتعلن بانها ملتزمة بأجواء مدينتها المقدسة تلك كانت "شيماء" ذات الاثني عشر ربيعا، والتي تصر على ان عملها ليس عيبا ولا حراما ما دامت تسهم في توفير لقمة العيش لأهلها حيث تتحدث عن تجربتها قائلة:يسموننا اطفال "الشوارع" بينما هناك فرق كبير بين المتسولين وبيننا، نحن نعاني منهم الامرين ونحاول ان ندافع عن عملنا في الشارع، فنحن لا نملك مبلغا من المال يساعدنا لافتتاح مشروع صغير او محل لذا فلا مجال امامنا سوى بيع بعض الاشياء الرخيصة التي قد تفي لسد متطلبات يوم واحد.

 

وفيما يخص دراستها ومستقبلها تقول" شيماء": انا احرص على الذهاب الى المدرسة بعد الظهر، وأعود من المدرسة لأعمل عصرا وصباحا ايضا اما في المساء فأنا استغل الوقت لمذاكرة دروسي، انا الان في الصف الخامس واسعى للنجاح بعد ان رسبت في العام الماضي بسبب ضغوط العمل والبيت.

 

التحرش من قبل الشباب 

و"شيماء"لا تدور في الشوارع وانما تفترش الارض لتبيع البخور والحرمل وبعض انواع البذور النباتية والترب وقد تجد في دكانها الارضي الصغير بعض الالعاب البلاستيكية ودبابيس الشعر، هي البضاعة التي استطاعت توفيرها، وتشكو "شيماء" من محاربة زملاء المهنة لها بأخذ مكانها واحيانا تقوم القوات الامنية بإجبارها وزميلاتها على مغادرة مكانها ايضا. وتقول بانها تضطر في احيان كثيرة الى حمل بضاعتها في صندوق خشبي تدور به في شوارع المدينة، وتتمنى الصغيرة الكبيرة ان تتمكن يوما من افتتاح محل او اي مشروع تجلس فيه بكرامتها دون ان تتعرض للمشاكل.

وحين سألناها ما نوع المشاكل؟. اجابت: هي من كل نوع ولا سيما ان البعض صار يتحرش بي بعد ان كبرت قليلا وانا لا ارضى لنفسي ان اتساوى بأي فتاة تلفظها الشوارع، فانا اعمل بكرامتي وما سبب عملي سوى الظروف التي قذفت بي الى الشارع.

 

توابع نفسية ومستقبلية

د. "عبد عون عبود جعفر المسعودي" رئيس قسم الإرشاد النفسي في الكلية التربوية ومحاضر في جامعة كربلاء قسم علم النفس يرى أن هؤلاء الأطفال والمراهقين هم حصيلة ظروف سياسية واقتصادية عانى منها العراق خلال العقود الأخيرة وليس عيبا ان يعمل الإنسان لتوفير لقمة العيش بدلا من التسول.

ولكن المؤلم في عمل هؤلاء الأطفال هو ما يعانون منه في الشارع فهم يتعرضون الى انواع العنف المختلفة من الضرب والتحرش والاغتصاب والاستغلال المادي بل عمدت الجهات الارهابية الى استغلال بعضهم لزجه في عمليات ارهابية مقابل المال بعد غسل عقولهم واقناعهم بأن ما يفعلونه ليس سوى جهاد وغيرها من المسميات.

ويضيف المسعودي وقد شهدنا حالات مختلفة لأطفال لديهم ارادة حقيقية في الحياة والاستمرار في الدراسة ونتمنى ان تتابع الحكومة وبالتعاون مع مديرية التربية بشكل مستمر هؤلاء الأطفال لانتشالهم من الشارع، ويمكن تفعيل دور المنح الطلابية بتخصيص رواتب للطلبة المعوزين لتشجيعهم على الاهتمام بالدراسة وترك العمل في فترة الدراسة على الاقل اضافة الى التوجيه والإرشاد المستمر لهم لأنهم قنابل موقوتة اذا ما تم استغلالهم بالشكل السيء.

 

دور المؤسسة التربوية

هناك اطفال سلكوا طرقا اخرى غير المناديل الورقية والوقود، هناك من استطاع ان يحصل على فرصة عمل في محل ما او في سيارة مع سائقها ليعمل في جمع الاجرة او عمل بعضهم في بيع الخضر مع صاحب المحل وجميعهم مهما تعددت اعمالهم فهم يمتلكون إرادة حديدية في أن يكونوا شيئا بدلا من ان يلجؤون إلى الطرق الملتوية، ولكن يا ترى ما دور المسؤول في تشجيع هؤلاء الاطفال على الاستمرار في الدراسة، وهل عجزت مديرية التربية عن احتضانهم ام انها نجحت في ترسيخ حب المدرسة لديهم؟.

عن ظاهرة الأطفال المتسربين من المدارس يحدثنا الاستاذ "عبد الجواد حمودي سلمان" مشرف تربوي حيث يقول "اطفال الشوارع في العراق ظاهرة ليست جديدة الا انها غالبا ما تشهد نموا ملحوظا مع ازدياد حدة الضائقة الاقتصادية وتنتعش خلال مواسم الزيارات والاعياد خصوصا في المدن المقدسة في البلاد، ويتمركزون في مناطق التسوق وامام الفنادق وتقاطع الطرقات، يعملون في مختلف الاعمال (الحي الصناعي، غسل السيارات، في الاسواق، وغيرها).

ويضيف "سلمان" اكثر من 90% من هذه الحالات سببها الاهل الذين يزجون اطفالهم في اعمال تهدف الى جمع المال فقط، اضافة الى الظروف المعيشية التي مر بها العراق خلال سنوات الحصار والحروب دفعت بالأهل ذوي الدخل المحدود او معدومي الدخل الى تشغيل اطفالهم، ان هذه الظاهرة فضلا عن خطورتها الاجتماعية فأنها تعكس صورة مؤلمة لحياة هؤلاء الاطفال، كثير من هؤلاء الاطفال الذين يعملون لم يتركوا الدراسة لكن اغلبهم لم يفلح بالتوفيق بين العمل والدراسة، ليس غريبا ان تجد في شوارع العراق اطفالا يعملون، لكن الغريب في هذا البلد الذي انهكته الحروب ان تجد اطفالا يذهبون الى المدرسة في الصباح وعند العصر يجولون في الشوارع لبيع ( مناديل التنظيف، مسح زجاج السيارات، عربة لنقل حاجيات الاشخاص) هؤلاء يعينون انفسهم بأنفسهم ويتحدون الظروف القاسية وسط اهمال الحكومة والمجتمع.

 

السلوك المنحرف يؤدي الى الهاوية

ويسترسل باقول: هناك اطفال يعملون مع آبائهم وهؤلاء لا خوف عليهم من الشارع ومخاطره، اما الاطفال الذين لا معيل لهم ولا والد فأن البعض منهم ينجرف سلوكه وينحدر بسبب اصحاب النفوس الضعيفة الذين يستغلون حاجة هؤلاء الاطفال الى المادة ويقومون بتعليمهم وتدريبهم على سلوك منحرف يؤدي بالطفل الى الهاوية وترك المدرسة، لكن مثلما يقولون(لو خليت قلبت) فهناك من الناس من ينظر الى هؤلاء الاطفال نظرة حب واحترام ويعتبرونهم مجاهدين في سبيل الحصول على لقمة العيش بشرف والدراسة معا، فيعملون على مساعدتهم وتشجيعهم والوقوف بجانبهم،

ويضيف "سلمان" ومن جانبنا فقد قدمنا مقترحات في قسم الاشراف التربوي لحل مشكلة المتسربين من المدرس وهي :

تفعيل قانون التعليم الالزامي وان تشترك في تفعيله وزارة التربية والمحافظات ووزارة الداخلية وتعديل بعض فقراته من اجل ضمان التحاق كافة الاطفال الى المدرسة.

حصر الاطفال المعوزين من خلال تشكيل لجان مشتركة من المدرسة ومختار المنطقة وبمساهمة فعالة من الوزارة وصرف كافة مستحقات الدراسة لهم.

و القيام بحملة وطنية شاملة لبناء المدارس لغرض استيعاب كافة الاطفال.

و جعل بناية المدرسة وما موجود فيها افضل مما هو موجود في البيت " نشاطات صفية ولا      صفية، سفرات مدرسية، قاعات فنية ورياضية".

الاستاذ "عبد الحميد الصفار" المدير العام لمديرية التربية في محافظة كربلاء اشار الى تلك الظاهرة على انها من اهم النقاط التي تسعى وزارة التربية الى حلها حيث قال تم تشكيل لجنة بالاتفاق مع الحكومة المحلية في المحافظة سميت بلجنة "متابعة المتسربين من المدارس" والتي تأخذ على عاتقها ارسال معلم الى عائلة الطفل المتسرب من المدرسة ومناقشة ذويه في ضرورة اعادته الى المدرسة، كما وتم استحداث طريقة جديدة في حال امتناع ولي الامر من اعادة ابنه الى المدرسة وهي التبليغ عن طريق الشرطة وقد تم بالفعل استجابة عدد كبير من الاهالي.

 ويضيف " الصفار": اما بالنسبة للأطفال الذين عبروا السن القانوني للتعليم الابتدائي فقد قمنا بافتتاح مدارس لليافعين وتشغل كربلاء المركز الاول من بين محافظات العراق في عدد تلك المدارس والنجاح الذي حققته حيث يبلغ عدد تلك المدارس (18 مدرسة) في المركز والاقضية والنواحي ونامل ان نقضي على ظاهرة التسرب من المدارس ونشجع الاطفال الذين عادوا الى المدارس ونكرس فيهم حب المدرسة.

من الجميل جدا ان نجد مساعي حثيثة من قبل وزارة التربية والمتمثلة بمديرياتها في عموم المحافظات لانتشال اطفالنا من الضياع ولكن الاجمل ان نجد اطفال حريصين يملكون حب الدراسة رغم ظروفهم المعاشية الصعبة.. انهم اطفال ولكنهم يملكون ارادة وقوة الرجال.

رابط المحتـوى
http://www.ina-iraq.net/content.php?id=76926
عدد المشـاهدات 4228   تاريخ الإضافـة 07/09/2020 - 10:19   آخـر تحديـث 27/03/2024 - 20:19   رقم المحتـوى 76926
 
محتـويات مشـابهة
ليفربول يقرر التخلص من 3 لاعبين
الحكيم وولي العهد السعودي يؤكدان اهمية تعزيز المشتركات بين دول المنطقة
اليوم.. العراق بمواجهة الفلبين لضمان التأهل للتصفيات النهائية المؤهلة لكأس العالم
فرقة الرد السريع تلقي القبض على مطلوبين اثنين بتهمة تجارة المخدرات في الحلة
الاخلاق هل هي كماليات العصر ام هي عادات وتقاليد تربينا عليها
 
الرئيسية
عن الوكالة
أعلن معنا
خريطة الموقع
إتصل بنا