وكالة الأنباء العراقية المستقلة بغداد ,,
فؤاد العبودي ,,
يبدو الزمن بالنسبة لنا نحن الأبرياء مثل قطعة الجبن التي خدعت الفأر
الصغير ليلتهمها ويلتهم معها رماد الفخ. نحن كذلك نبتغي من الزمن الأمان فتتحول
الأمنية الى خنجر مسموم مسلط على رقابنا ويتركنا أسرى تلك الأمنية التي قد لا
تتحقق ابدأ...
سجناء لا تعرف اين مستقرها... نتيه في طرق تصعد بنا الى ((تويجات الدم))
فيترشح من انوفنا ((رعاف)) الرغبة المقتولة على حدود الشهوات...
نغتصب الوقت من اعمارنا خلسة تماما مثلنا تسرق القبائل البدائية طراوة
العذراوات فتغتال فيهن البراءة امام همجية الفعل وقهقهاه الربح... وحيث يتركوهن لا
يستر عريهن الا ورق الموز كما نتدثر نحن لأوراق الصحف في صباحات شتائية باردة في
مقاهي النسيان... وحينما نتحسس مواقع اجسادنا لنجدها تعبي بعد ليلة كانت اجفاننا
فيها مهدة واصابعها دبقة بنزيف الرعشة من المجهول... فتتحول بفعل ذلك الى مومياءات
غير صالحة للعرض. انا مثلك تماما أيها الصديق المسافر في قطار الضمير اشعل حرائق
يومياتي على تل الحنين لما يؤكد انسانيتي لكنني لا اشمل بحرائقي تلك أولئك الذين
يحيطون بي اذ ان دائرة العذاب تخصني وحدي وانا الوحيد القادر على الصياغة وتشكل
نهايتي والخروج من دائرة الحصار.. عصي على دمعي وان ذرفته يوما فقد كان بحق على
امي وابي.. لهذا ومن بعدها جفت ما في عيوني وبدأت أكل اعصابي واتقيأ سموم الغادرين
من حولي.. وبقي دمعي عصيا فان كبرياء النفس ما زالت تستحوذ على هيئتي مثل استحواذ
الخيمة والجمل على العربي.
اطواف في شرايين غربتي وابتلع غصتي كما لو كانت (قرصا من أقراص المخدر)
لعلها تبقيني على الأقل بعيدا عن قول لا اسعى الى التفوه به فاقع في مصيدة
الخائبين. ما زالت اقطع طرقي المشاة بذكراكم ..اتمثل طيفكم الأبيض واعتبره انصع من
كل الاطياف الخابية التي تجر ظلالها على ((الاجنحة المتكسرة)) ومثلما سعيت انت الى
صداقتي بوشيجة الروح فقد بيننا حبا ثماره هذه الصداقة ((اللعينة)) التي لا استطيع
الفكاك منها.. انها ((بعض قدري)) وهي استدلال ((ضمائري)) على مؤشر اتجاهي نحو
((النشوء والارتقاء)) ذلك لأننا متوافقان في كل شيء... توافقنا لا ينسحب على بعض
خصوصياتنا ان ثمة حنينا يتسلق جدار الذاكرة ويتعلق على سورها العالي وينادي من فوق
برج القلب مستعيرا نداء ((الفخاتي)) التي راحت نؤسس اعشاشها فوق رابية الروح هذا
الحنين الذي عدنا نشكل صياغته توا تماما مثل ((خاتم)) زواج عتيق لزوجين محبين ارادا إعادة صياغته كي يبقى اللقاء
الأول غي عيونهما زاهيا ابدأ خبرة في الحب ... وتجربة في (تمشيط) مدارج العواطف لا
الليل كان بمستطاعه ان يغيب حقول الافراح عندما نلتقي ونتسامر ونتبادل برقيات
العتب القصيرة ذات المدلول الكبير على اننا ما زلنا نعرف بعضنا البعض حد التفاصيل
الصغيرة جدا... في زمن نسي فيه الاخرون ملامح من عرفوهم يوما... وتنكروا لعناوين
كانت تؤويهم زمنا من تشرد الأيام وفاقة الظروف ونعاس الاجفان.
والحصار الذي اسموه حصارا لن يكون سوى ظرف وليس زمنا ((تتغلب)) فيه اشواقنا
الى النوافذ العريضة فالحصار المادي هو حتما في طريقه الى الانكسار والزوال لكن
حصار الروح هو الذي لا يمكن قسر اقفاله الا إذا ((أزهرت)) أشجار الصنوبر وانابت
الورود مكانها بدلا من الاشواك. وتلك خطيئة انا ((عالم الصفيح)) الذين اداروا
وجوههم نحو ((سيك)) المشاعر في ((صوان المعادن)) حيث يتبدى ذلك في التقاطع المربع
بين وجود الذات وعدمها وبين نسيج الروح المخملي وبين موت الاستجابة لنبض الحقيقة.
هكذا تندرج المواصفات الإنسانية لأننا ننام على خطا النبوءة وحلم الاستفاقة
على عالم المفاجأة الذي لا يغري بان ننتظره ما دمنا قد عصينا العيون بخرقة الياس
عن رؤية مكاننا الحقيقي بين البشر.. بين ان نقول (نعم) بكامل القناعة المزروعة في
قاع صاف مثل الزلال وبين قول ((لا)) وهي تحمل رفضا مبنيا على أسس موضوعية اننا
ننسى أحيانا (في مفترق الطرقات) ان هناك قلوبا تعيش من اجلنا قلوبا امسكت بثبات
نواصي الاحلام الشريفة لكنها احتجبت وراء ستر الحياء والادعاء.. بغير تلك الفوضوية
الفارغة التي تواجهنا من قبل اشخاص نراهم من وراء الواجهات الزجاجية البراقة
ويعتقدون اننا لا نرثهم على خيباتهم واسقاطاتهم السلبية.
ونظل ممسكين بحبل القلب لنودع في الشد والجذب قوة العاطفة بعيدا عن العنف
الذي يجرد النفس البشرية من أدنى مواصفاتها الإنسانية...
بشر نحن خلقنا كي نتوسم في خطى الأنبياء ما افرزته تجاربهم القيمية من
اعلاء لكلمة الانسان واعتباره الأمثل في ان يصبح اعلى شانا من سائر المخلوقات لان
الله عز شانه قد ذكر في محكم كتابه العزيز قوله ((لقد خلقنا الانسان في أحسن
تقويم))
اذن... اما ينبغي وهذه لمكانة المرموقة لهذا الكائن التي افردها الله له ان
يعيش ويتعامل مع الاخرين وفقا لخصوصيتها؟
وحين يؤكد ((المهاتما غاندي)) على لسان ميراباي من ان أحب الذي كان يشده
الى الجالية الهندية في جنوب افريقية وهو ((الحب)) الذي حمله على العودة اليها بعد
ان رفض الذهاب فينشد ابيات ميراباي
((لقد قيدني الرب
يخيط الحب القطني
فانا عبده الرقيق))
((وبالنسبة الي (يقول المهاتما غاندي) وهو يروي سيرة حياته في مؤلفه)) ((قصة
تجاربي مع الحقيقة)) انا أيضا كان خيط الحب الذي شدني الى الجالية اقوى من ان
يقطع..
ان صوت الشعب هو صوت الله وهنا كان صوت الأصدقاء حقيقيا الى درجة جعلته
ممتنعا على الرفض ولما نحن فقط نذكر محاسن موتانا.. بينما نكيل لهم العذاب ضعفين
عندما كانوا احياء يعيشون بيننا.. ونتغافل عمن يمد اليد بسريرة صافية ونحسبها هملا
لا يعنينا امره..
تعالوا نملا اقداح الصفاء ((بماء منهمر)) منابعه من تلال الصدق وجداوله
القلوب تصب في قيعان لا تحمل من ترسبات الكذب والرياء شيئا بقدر ما تحمل طيبة
الانسان على الأرض... اذا لم يعد في العمر ما يكفي من التفكير.. |